الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
في القرآن الكريم آيتان تقتربان من الآية التالية:
أيها الإخوة الكرام؛ لازلنا مع تفسير سورة البقرة ومع الدرس السابع والعشرين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الثانية والستين وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾
في القرآن الكريم آيتان تقتربان من هذه الآية؛ الآية الثانيـة في سورة المائدة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(69)﴾
وهناك آية ثالثة من سورة الحج وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(17)﴾
الإنسان يجمع بين المتناقضين فيه نفخةٌ من روح الله وقبضةٌ من تراب الأرض:
أيها الإخوة الكرام؛ كان الناس أمةً واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، سيدنا آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام تلا الحق على أولاده، وأولاده تلوا الحق على أحفادهم، وهكذا، لكن الذي حصل أن النفوس تنحرف، والشهوات تستعر، والمصالح تتضارب، فالإنسان مُركّب من عقل ومن شهوة، لو أنه مركب من عقلٍ فقط لم تكن هناك أية مشكلة أبداً، لكنه ركّب من عقلٍ وركّب من شهوةٍ، في حين أن المَلَك ركّب من عقلٍ فقط، هو يذكر الله دائماً، والحيوان ركّب من شهوةٍ فقط وليس مكلفاً، ولكن الإنسان نوعٌ عجيب، فيه نفخةٌ من روح الله، وفيه قبضةٌ من تراب الأرض، فيه حاجات عُليا، فيه نوازع عليا، وفيه شهوات سُفلى، هو المخلوق الأول، بطولته أنه يجمع بين المتناقضين، فهذا الإنسان هناك شهوة تحرِّكه، وهناك قيمٌ يصبو إليها، فيه نفخةٌ من روح الله وقبضةٌ من تراب الأرض، تراب الأرض يشدُّه إلى الأرض:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)﴾
والنفخة من روح الله تشده إلى الله وإلى القيَم، الذي ترونه جميعاً أن الإنسان يقلق لو انغمس في شهوته، يبحث عن شيءٍ مفقود، لو أعطى نفسه هواها، لو انغمس في إمتاع نفسه بالشهوات المادية إلى قمَّةِ رأسه يشعر أن هناك شيئاً يخالفه، يختلّ توازنه، ولا يستعيد توازنه إلا إذا عرف الله، فلذلك ربنا عزَّ وجل خلق الإنسان من نسل آدم، وأسكن سيدنا آدم في الجنة، وأعطاه درساً له ولذريته من بعده، أعطاه درساَ بليغاً، وبيَّن الله عزَّ وجل لسيدنا آدم ولذريته من بعده:
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ(6)﴾
لكن الإنسان بعد أن تأتي رسالات الأنبياء قد ينسى، وقد ينحرف، وقد يُفَرِّغ الرسالة من مضمونها.
حينما لا يطبق الدين تطبيقاً كاملاً لا تقطف ثماره:
حينما جاء الدين الإسلامي فيه زخم روحي شديد، مضمون كبير، قيَم رائعة، سلوك منضبط، إخلاص شديد، مع مُضي الزمن بقي الدين شكلاً وفُرِّغَ من مضمونه شيئاً فشيئاً، لذلك ربنا عزَّ وجل يبعث على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة دينها، يصبح الدين شكلاً، يصبح فولكلوراً أحياناً، يصبح رقصاً، يصبح أناشيد، يصبح غناء، يصبح مظاهر فخمة، شهادات عُليا، ألقاباً علمية، مؤتمرات، مكتبة، لكن لا يوجد التزام، وحينما لا يُطبق الدين تطبيقاً كاملاً لا تقطف ثماره، هذا شأن الإنسان حينما يميلُ إلى الشهوة على حساب القيم.
الشيء المفروض به أن الإيمان فطري، والله عزَّ وجل بدأ البشرية بنبي عظيم هو سيدنا آدم، وينبغي أن يَسري الحق من جيلٍ إلى جيل، ولكن الذي حصل أن هناك انحرافاً، مع الانحراف يأتي الأنبياء والرسُل العِظام من قبل المولى جلَّ وعلا ليصححوا مسار البشرية، فصار هناك يهود، سمي اليهود يهوداً لأنهم اتبعوا يهوذا أحد أولاد سيدنا يعقوب، أو لأنهم هادوا إلى الله أي تابوا إليه، هذه أصل التسمية، ولكن الواقع الحالي لا ينتمي لهذه التسمية بصلة، إما أنهم تابوا إلى الله أو أنهم اتبعوا يهوذا، والنصارى:
﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)﴾
فسمّي الذي اتبعوا المسيح نصارى، والذي اتبعوا سيدنا موسى سمّوا يهوداً.
الإنسان حينما ينسى منهج الله يتولَّد في نفسه عداوةٌ وبغضاء:
يقول الله عزَّ وجل:
﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)﴾
الآية دقيقة جداً ونحن في أمس الحاجة إلى معناها، فهذا الذي عنده إيمان فطري بسيط، أو الذي آمن وانتمى إلى الإيمان شكلاً لا مضموناً، وهذا الذي انتمى إلى الدين اليهودي شكلاً لا مضموناً، وهذا الذي انتمى إلى الدين النصراني شكلاً لا مضموناً، تصور أربعة محلات تجارية لا يوجد فيها بضاعة إطلاقاً، لكن توجد لافتات، لافتة كُتِب عليها مطرزات، لافتة كُتِب عليها أجواخ، لافتة كُتِب عليها ألبسة جاهزة، لافتة كُتِب عليها مواد غذائية، ليس في هذا المحل مواد غذائية، ولا ألبسة جاهزة، ولا مُطَرَّزات، ولا أجواخ، لا يوجد شيء، فارغ، لكن يوجد لافتات متباينة، وهناك صراع، وهناك تعصُّب ديني، وحروب دينية، أما المضمون فارغ، النقطة الدقيقة جداً جِداً أن الإنسان حينما ينسى منهج الله يتولَّد في نفسه عداوةٌ وبغضاء، قال تعالى:
﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)﴾
فالآية تقول: هذا الذي ينتمي إلى الإيمان انتماءً شكلياً، ما الانتماء الشكلي؟ أي حياته غربية، لا يوجد قيد في كسب ماله، لا يوجد انضباط، لا يوجد منهج، إنفاق ماله بلا منهج وبلا ضابط، علاقاته مع النساء بلا منهج وبلا ضابط، يمضي وقت فراغه في أعمال سخيفة، ومتابعة أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع، نمط حياته نمط غير إسلامي، لكن تراه في المسجد يوم الجمعة، وقد علَّق في بيته آية الكرسي، وتراه يلبس الجديد في أيام العيد، ويهنِّئ، ويبارك، البروتوكولات جيدة، الطقوس جيدة، الأعمال الاستعراضية جيِّدة، المظاهر جيدة، أما المضمون فهو غير إسلامي، فهذا الذي ينتمي إلى الدين انتماءً شكلياً، وهذا الذي ينتمي إلى اليهودية انتماءً شكلياً، وهذا الذي ينتمي إلى النصرانية انتماءً شكلياً.
الانتماء الشكلي إلى الدين مظاهر وطقوس وعبادات جوفاء لا معنى لها:
قال الله عزَّ وجل:
﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)﴾
هكذا وُصِفَ أتباع سيدنا عيسى، كتبوا على عُملتهم: ثقتنا بالله، لكنهم ماذا يفعلون؟ يرتكبون من الجرائم في العالم كله ما يندى له الجبين، يبنون ثروتهم على نهب ثروات الشعوب، يبنون قوتهم على تدمير أسلحة الشعوب، يبنون رخاءهم على إفقار الشعوب، فالانتماء شكلي والدليل أعمالهم بخلاف ما وُصِف به أتباع سيدنا عيسى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾ إذاً الانتماء شكلي، مظاهر، طقوس، عبادات جوفاء لا معنى لها، وقد تكون عبادات غناء وموسيقى وما شاكل ذلك:
﴿ وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(35)﴾
ونحن:
﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)﴾
صار إحياء ليلة القدر بالرقص، أليس كذلك؟ فهذا الدين هكذا أصبح فُرِّغَ من مضمونه.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ هؤلاء حَكَّموا عقلهم فرفضوا بعض النصوص، أو انتقلوا من دينٍ إلى دين، أو أصبحوا بلا دين، يقول لك: أنا عقلاني، أو أنا علماني، والأصح جَهْلاني، أي ليس له علاقة بالأديان، عقله هو دينه، وعقله الحَكَم.
العقل لا قيمة له من دون وحي يرشده:
هناك نقطة مهمة جداً أيها الإخوة حتى أُثبت لكم أن العقل وحده لا يكفي، كيف أن هذه العين إذا الإنسان متعه الله بعيني حادتي البصر، أنا أذكر عند طبيب العيون يوجد لوحة متدرجة في الدقة، فقبل آخر سطر إذا عرفت اتجاه الـ (C) أو الـ (E) باللغة الإنكليزية، يقول للطبيب: يمين، يسار، فوق، تحت، إذا عرف قبل آخر سطر يأخذ عشر درجات على عشر، إذا عرف آخر سطر يعطونه اثنتي عشرة على عشر، أي أدق العيون هي التي تكشف اتجاه هذه الحروف في آخر سطر طبعاً، لو أن إنساناً يملك عينين حادتين وهناك منظر جميل أمامه لكن لا يوجد ضوء، ما قيمة العينين؟ صفر، أَجلس في غرفة إنساناً أعمى وإنساناً له عينان حادتان، أطفئ المصباح ألا يستويان؟ يستويان تماماً، معناها لا قيمة للعين من دون ضوءٍ يكون وسيطاً بينها وبين المرئي.
قس على ذلك العقل، والعقل لا قيمة له من دون وحي يرشده، من هو العالم الغربي؟ عالم قائم على العقل فقط، العقل قدَّم إنجازات مادية مذهلة، ولكنه هبط هبوطاً اجتماعياً وأخلاقياً مُريعاً، وما يُعانون منه من مرض الإيدز، ومن الجريمة، والتفكك الأسري، وانحلال الأسرة، وشيوع المخدرات شيء لا يحتمل، إنسان يتحرَّك وفق عقله فقط لا وفق منهج الله عزَّ وجل، والعقل قد ينتهي بالإنسانية إلى الدمار، العقل وحده.
إخواننا الكرام؛ الخُلق هو سياج العقل، العقل قوة كبيرة، ما الذي يمنع صاحب العقل الكبير أن يصنع مادةً تؤذي الناس؟ الآن العلماء الكبار الكبار يصنعون القنابل الجُرثومية، والقنابل الكيماوية، يبنون تفوَّقَهُم على تدمير البشرية، فما الذي يمنع العقل من أن يُدمِّر العالم كله؟ هو القيم الأخلاقية، ولا أخلاق بلا دين، معناها الدين أساس الأخلاق، والأخلاق أساس ضبط العقل، فالعقل يحتاج إلى وحي، والعقل مقياس غير صحيح من دون وحي، الآن الدليل، العقل مرتبط بواقع، لو أنهضنا إنساناً قبل مئة عام من قبره، وقلنا له: هذه الكتب، أربعة جدران من الأرض إلى السقف كلها مجموعة بقرص ليزري واحد، لا يصدق، الآن هذا شيء واقع، هناك الآن أقراص ليزرية فيها ألف كتاب، ألف كتاب بقرص ليزري واحد، العقل لا يصدق قبل مئة عام أنه من الممكن أن نبعث رسالة إلى أقصى قارة في العالم بثانية واحدة، الآن عن طريق الفاكس تُرسل رسالة إلى أقصى مدينة في أمريكا، بغرب أمريكا على المحيط الهادي بثانية، العقل لا يصدق أن يرى شيئاً في مكان يراه العالم كله بالأقمار الصناعية، العقل لم يكن يصدق سابقاً، معناها العقل مرتبط بالواقع، لا يحق له أن يكون حكماً على النقل، النقل هو الحقيقة المطلقة التي من عند الله عزَّ وجل.
من هم الصابئون؟ هم الذين حَكَّموا عقولهم في النصوص فرفضوا ما لا يروق لهم وقبلوا ما راق لهم، صابئ أي انسلخ من الدين، احتكم للعقل، أي علماني بالتعبير الحديث، العلماني هو إنسان صابئ انسلخ من الدين وصار له مقاييس أخرى.
على كل الآية مخيفة، هذا الذي ينتمي إلى الإسلام شكلاً، أو إلى الإيمان العامي الفطري شكلاً، وهذا الذي ينتمي إلى اليهودية شكلاً، وهذا الذي ينتمي إلى النصرانية شكلاً، وهذا الذي ينتمي إلى عقله وحَكّم عقله في كل نقل، يوجد معنى ضمني لهذه الآية:
﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ من هؤلاء جميعاً: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ .
حقيقة الإيمان أن تؤمن بأن الله موجود:
حقيقة الدين، جوهر الدين أن تؤمن بالله، كل واحد يقول: أنا مؤمن بالله؟ أن تؤمن بأن الله موجود، وأنه في السماء إلهٌ وفي الأرض إله، وأن هذا الذي تستمع إليه من أحداث من تدبير الله، ويد الله فوق أيديهم، ويد الله تعمل في الخفاء، وما من إلهٍ إلا الله.
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾
وقال:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾
وقال:
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾
وقال:
﴿ مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِك فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2)﴾
وقال:
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)﴾
حينما تؤمن بالله الواحد الأحد لا يمكن أن تُقْدِم على معصية ولو أعطوك ملء الأرض ذهباً:
حينما تؤمن أن الله هو الفَعَّال، يقول لك: في كل بلد يوجد رجل قوي، قد يكون ظاهراً وقد يكون غير ظاهر، من هو الرجل القوي في كل بلد؟ لا يوجد إلا الله هو القوي، هو الإله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الباقي على الدوام، بيده الأمر، بيده مقاليد السماوات والأرض:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
وقال:
﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)﴾
﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لا يقع شيءٌ في الكون إلا بإذنه، هذا الإيمان، يبنى على هذا الإيمان أشياء كثيرة، حينما تؤمن أن الله وحده هو الفَعَّال لا تنافق لأحد طبعاً، حينما تؤمن أن الله وحده هو الفعال لا تبتغي رزقاً بمعصية، مستحيل، حينما تؤمن بالله الواحد الأحد لا يمكن أن تُقْدِم على معصية ولو أعطوك ملء الأرض ذهباً لأنك تعلم أنك خاسر لا محالة، معنى تؤمن أي يتغلغل الإيمان إلى أعماق الإنسان يغير كل صفاته، وكل مبادئه، وكل قيمه، وكل أهدافه، الإيمان يصنع إنساناً جديداً، يجوز المؤمن يعد الفوز بالعطاء لا بالأخذ، أكثر الناس يشعرون براحة حينما يأخذون، حينما يتملكون لا حينما يعملون عملاً صالحاً.
الإيمان الحق يعكس موازين الإنسان، الإنسان له موازين مادية، لكن حينما يؤمن بالله تختلف موازينه.
الإنسان له موازين مادية لكن حينما يؤمن بالله تختلف موازينه:
مثل بسيط وأنا أضربه دائماً ؛ قال مَلِك لأستاذ: عَلِّم ابني دروساً وأنا أحاسبك، هذا الأستاذ إذا عرف ما معنى مَلِك، وأن كل شيء بيده، وأقل عطاء له بيت وسيارة، مستحيل يطلب من الابن أجرة الدرس، يقول لتلميذه ابن الملك: لا، والدك يحاسبني، أما إذا لم يعرف من هو الملك، فطالب الابن، أعطاه على الدرس ألف ليرة ولكنه أضاع على نفسه عطاءً كبيراً.
أنت حينما تؤمن أن الأمر بيد الله وحده لا ترجو سواه، ولا تتضعضع أمام غيره، ولا تُعلق أملاً على إنسانٍ آخر، فالإيمان شيء يغيِّر نمط الإنسان، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( عن عبد الله بن عباس: خيرُ الصحابةِ أربعةٌ، وخيرُ السرايا أربعمائةٍ، وخيرُ الجيوشِ أربعةُ آلافٍ، ولا يُغْلَبُ اثنا عشرَ ألفًا من قِلَّةٍ. ))
أي اثنا عشر ألف مؤمن لن يغلبوا في الأرض، وإذا كان المليار والمئتا مليون مغلوبين؟! مغلوبون على أمرهم، ليس أمرهم بيدهم، ليست كلمتهم هي العُليا، أعداؤهم يتحدَّونهم، لأنه:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)﴾
هذا هو الكلام الدقيق.
إذا لم تؤمن أن هناك يوماً هو يوم الجزاء والحساب لن تستقيم في سلوكك:
قال: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أركان الإيمان خمسة، لماذا في معظم الآيات الكريمة قرن ربنا الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر؟ أي إذا لم تؤمن بأن هناك يوماً تسوّى فيه الحسابات، تسترد فيه الحقوق، يُنْصَف المظلوم من الظالم، يُؤخذ الحق من القوي إلى الضعيف، إذا لم تؤمن أن هناك يوماً، هو يوم الجزاء، يوم الدينونة، فلن تستقيم في سلوكك: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ صار عندنا انتماءات شكلية للأديان، وعندنا جوهر الدين الذي أراده الله عزَّ وجل، جوهر هذا الدين أن تؤمن بالله، وأن تثق به، وأن تعتمد عليه، وأن تتوكل عليه، وأن تُعلِّق عليه الآمال، وأن تطيعه، وأن تحبه، وأن تُقبل عليه، هذا الدين، وأن تعمل لليوم الآخر، تجد المؤمن أمره عجيب يركض بلا أجر، لا يريد شيئاً، يشتغل أربعاً وعشرين ساعة، يعمل ليلاً نهاراً، يُقدِّم ولا يأخذ، أساساً الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، إنسان كل حياته عطاء، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي الليل لا تتسع غرفته لصلاته ونوم زوجته، فكانت تنحرف يساراً كي يصلي، أنتم ترون هذه الأبهاء الواسعة شيء يأخذ بالألباب.
تخلَّى الله عن المسلمين لأنهم عصوه:
الأنبياء العظام أعطوا ولم يأخذوا، وهناك من يأخذ ولا يعطي، والمؤمن بين بينَ يأخذ ويعطي، على كل لكن لابدّ من أن تعطي، إذا آمنت بالآخرة لابدّ من أن تعطي، ماذا قدمت؟ يا بشر لا صدقة ولا جهاد فبم تلقى الله إذاً؟ هذا السؤال الدقيق، ماذا قدمت للمسلمين؟ أي عملٍ تفعله في سبيل الله؟ أي عمل تفعله تقرُّباً إلى الله؟ قد تلاحظ مسلماً غير منضبط، طعامه، شرابه، لقاءاته، سهراته، اختلاطه، كسب ماله، أين يمضي وقت الفراغ؟ أجهزة اللهو في بيته، نساؤه المتبرجات الكاسيات العاريات، وازن بين أسرة تنتمي للإسلام شكلاً، وأسرة تنتمي للنصرانية شكلاً، مثل بعضهم، وأسرة تنتمي لليهودية شكلاً، مثل بعضهم، وإنسان علماني، مثل بعضهم، هناك تشابه ولكن هناك تعصب، هناك تعصب وهناك تشابه، أما لو كان هؤلاء تمسكوا بالدين الحقيقي لالتقوا ولاجتمعوا لأن المنهج واحد والأصل يُوَحِّد، فلذلك لا يريد الله عزَّ وجل الانتماء الشكلي، لا يريد التعَصُّب.
تجد أحياناً طالباً دفاتره أنيقة جداً ولكنه استحق بكل المواد أصفاراً، كل دفتر مغلف وفوقه نايلون، وبطاقة، ولوحة، ونشَّافة، وشريطة، ويأخذ صفراً بالمذاكرات، فهذه الأشياء الشكلية لا تقدِّم ولا تؤخر، لكن القلوب خربة، البيوت جحيم، العلاقات كلها علاقات ربوية، العلاقات بين الجنسين علاقات بغي وعدوان، فهذا الوضع هو الذي كما يبدو أن الله تخلَّى عن المسلمين لأنهم عصوه، وإذا عصاني من يعرفني سلَّطت عليه من لا يعرفني.
الإيمان المنجِّي هو الإيمان الذي يحملك على طاعة الله وعلى التخلُّق بالخلق الإسلامي:
فيا أيها الإخوة؛ هذه آية أساسية جداً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الإيمان الشكلي، ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى﴾ والعلمانيون معهم، ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ الإيمان المنجِّي، الإيمان الذي يحملك على طاعته، الإيمان الذي يحملك على التخلُّق بالخلق الإسلامي: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ المؤمن يهيئ جواباً لله عن كل حركة، كل سكنة، كل عطاء، كل مَنع، كل وَصل، كل قطع، كل رضا، كل غضب، ماذا سيقول لله عزَّ وجل يوم القيامة لو سأله: لم طلَّقت؟ لم غضبت؟ لمَ أعطيت؟ لمَ منعت؟ لمَ فعلت؟ لمَ تركت؟ ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ أي آمن بالله وباليوم الآخر استقام وعمل صالحاً، قال: هؤلاء هم الذين وضعوا أيديهم على جوهر الدين، تصور إنساناً بدوياً لا يقرأ ولا يكتب، راعياً، قال له ابن سيدنا عمر: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها؟ قال له: ليست لي، قال له: قل لصاحبها ماتت، قال له: ليست لي، قال له: خذ ثمنها؟ قال له: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فإني عنده صادقٌ أمين، ولكن أين الله؟
الذين فرَّغوا الدين من مضمونه بقي لهم من الدين الانتماء الشكلي:
أيها الإخوة؛ صدقوني لو وصل المسلمون لمستوى هذا الراعي الأُمي لكانوا في حالٍ غير هذه الحال، ليست القضية بالدراسات العُليا ولا بالألقاب العلمية، القضية بالاستقامة، فهذا الأعرابي وضع يده على جوهر الدين، والذين فرّغوا الدين من مضمونه بقي الدين تقاليد، عادات، مظاهر، ألقاباً، افتخاراً، الذين فرَّغوا الدين من مضمونه هذا الانتماء الشكلي لا قيمة له عند الله أبداً.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ هؤلاء الذين يحبُّهم الله عزَّ وجل من هؤلاء جميعاً، إذاً هذه الآية دقيقة، أي إنسان ينتمي لهذه الأديان لو انسلخ من هذا الانتماء الشكلي و: ﴿آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ هذه الآية آية البقرة.
سبب رفع كلمة "الصابئون" في الآية التالية:
الآية الثانية قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ هنا مشكلة، "إنّ"حرف مشبَّه بالفعل تنصب الاسم وترفع الخبر، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الذين اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم إنّ، ﴿والَّذِينَ هَادُوا﴾ معطوف، أما: ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ مرفوع، قال علماء التفسير وعلماء البلاغة هذه لفتة قرآنية الهدف منها لفت النظر، فربنا عز وجل أراد من هذا الرفع الاستثنائي أن هؤلاء الذين حكّموا عقولهم بالنصوص هؤلاء من أشد الناس ضلالاً، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ هذه أحياناً بالطباعة الحديثة يوحد حرف غامق، كلمة بارزة بلون غامق، أي مزدوج الحرف أو بلون آخر بلون أحمر، أو تحتها خط، أي ترتيب الآية أن قضية والصابئون للفت النظر، أي هذا الذي احتكم لعقله وعقله مربوط بالواقع وعقله يحتاج إلى وحي فهذا وقع في ضلالٍ كبير.
جميع الاتجاهات الدينية في العالم الله وحده هو الذي سيفصل بينهم يوم القيامة:
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ هذا التطمين الثاني، الأولى: ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ هنا: ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ الآن لو أخذنا مجموع الاتجاهات الدينية في العالم؛ يوجد وثنيون، يوجد بوذيون، يوجد سيخ، يوجد هندوس، يوجد عُبَّاد النار، يوجد عُبَّاد الشمس، يوجد عُبَّاد البَقَر، يوجد عُبَّاد المَوج، يوجد عُبَّاد الفَرج، يوجد عُبَّاد ما لا نهاية لهم، قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ من هو على الحق منهم؟ قال: ﴿اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ كلّ يدَّعي أنه على حق، وكل مِلَّة، وكل اتجاه، وكل مذهب، وكل دين، وكل طائفة، وكل جماعة تدّعي أنها على الحق، لكن من هو الذي سيفصل بينهم؟ هو الله عزَّ وجل، الله عزَّ وجل يعلم السر وأخفى.
صفات الضالين في العالم أربع:
هناك اتجاهات كلها ضالة لكن بشكل أو بآخر علائم الضلال بالأرض أربع خصائص:
أول خصيصة: تأليه الأشخاص، كثيراً ما تجد أدياناً رئيس الدين الذي يقوله هو كل شيء، لا يوجد منهج، الذي يقوله قد يكون مثلاً رئيس مجوعة دينية، قد يكون ديناً أرضياً، الذي يقوله هو التشريع، لا يوجد تشريع، تأليه الأشخاص.
الثانية: واعتماد النصوص الموضوعة والضعيفة.
الثالثة: وتخفيف التكاليف.
الرابعة: والنزعة العدوانية، هذه صفات الضالين في العالم، المبادئ أقوى من الأشخاص: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ .
من أراد أن يتبع الدين اتباعاً حقيقياً يجد الكثير من المبادئ والتعليمات يجب أن تُطبق:
أما في الإسلام، النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)﴾
النبي متبع، سيدنا الصديق قال: "إنما أنا متبع ولست بمبتدع، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوِّموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم" .
حتى في الدعوات الدينية إذا قال الشيخ فرضاً: يا بني أنت ما دمت معنا فلا تخف، من أنت؟ النبي عليه الصلاة والسلام قال:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾
سيد الخلق حبيب الحق: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ هناك خوف من الله، هناك انضباط، لذلك إذا أراد الإنسان أن يتبع الدين يجد عنده مئات بل ألوف المبادئ والتعليمات، وافعل ولا تفعل، هذه كلها ينبغي أن تُطبق.
الإيمان الذي لا يحمل صاحبه على طاعة الله لا قيمة له إطلاقاً:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ الملخص: الانتماء الشكلي لا قيمة له عند الله، جوهر الدين أن تؤمن بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، وأن تؤمن بالله إيماناً يحملك على طاعته، إذا قال إنسان لك: أنا مطّلع على مقالات عن أضرار الدخان وتراه يدخن، لا تصدقه، هذا جاهل، ما دام مطلعاً على مقالات عن أضرار الدخان ويدخن معلوماته لم تحمله على ترك الدخان، إذاً هذه المعلومات لا قيمة لها إطلاقاً، أما عندما يطّلع الإنسان على مضار الدخان ويقلع عن التدخين نقول: معلوماته التي قرأها عن الدخان حَمَلَتْهُ على ترك الدخان، هذه معلومات مجدية، طبعاً من باب التمثيل، وحينما تؤمن بالله إيماناً يحملك على طاعته، وعلى تحرِّي الحلال، وعلى ترك الحرام، وعلى خدمة الخَلق، هذا الإيمان هو المجدي، وإلا أي إيمان لم يحمل صاحبه على طاعة الله لا قيمة له، لأن إبليس قال له:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾
آمن بالله رباً وآمن به عزيزاً، وقال له:
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)﴾
آمن بيوم البعث، وإبليس قال له:
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)﴾
آمن أنه خالق، فآمن بأنه خالق وعزيز ورب وآمن بيوم البعث، ومع ذلك هو إبليس، فالإيمان الذي لا يحمل صاحبه على طاعة الله لا قيمة له إطلاقاً، صفر قيمته.
العبرة أن تملك الحقيقة لأن الله يفصل بين الناس يوم القيامة:
ثلاث آيات أيها الإخوة؛ في البقرة آية، في المائدة آية، في الحج آية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ هذه آية البقرة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ﴾ للفت النظر تحتها خط، ﴿وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ، آية الحج: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ فالعبرة لا أن تقنع الناس بباطلك، العبرة أن تكون عند الله على حق، دققوا في هذه الكلمة، قد تقنعني أن معك كيلو من الذهب وهو من التنك، ما قيمة هذا الإقناع؟ أنت الخاسر الأوحد لا سمح الله، وقد تملك كيلو ذهب وأنا متوهِّم أنه تنك معدن خسيس، لا قيمة لهذا الوهم أنت الرابح الأول، العبرة أن تملك الحقيقة لأن الله يفصل بين الناس يوم القيامة.
المؤمن الصادق يحاول أن يوفِّق بين قناعاته وبين مقاييس القرآن الكريم:
أنا لم أر فئة إلا وتدّعي أنها على حق، أي فرقة، أينما ذهبت في العالم كله، كل جماعة تدَّعي أنها على حق، وهي الصفوة المختارة، الصفوة التي على النار، هكذا، أما المؤمن الصادق فيحاول أن يوفِّق بين قناعاته وبين مقاييس القرآن الكريم، ابتغوا الرفعة عند الله، أن تكون عند الله على حق، وأن تكون عند الله مرضياً:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾
الملف مدقق